الجمعة، 27 مايو 2011

لا تصالح - أمل دنقل

لاتصالحْ ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأعينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما وكأنكماما تزالان طفلين
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما
أنَّ سيفانِ سيفَكَ صوتانِصوتَكَ
أنك إن متَّ للبيت ربٌّ وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةًبالقصب؟
إنها الحربُ قد تثقل القلبَ لكن خلفك عارالعرب
لاتصالحْ ولا تتوخَّ الهرب
(2)
لاتصالح على الدم.. حتى بدم
لاتصالح ولو قيل رأس برأسٍ أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟أعيناه عيناأخيك؟
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون جئناك كي تحقن الدم جئناك.
كن يا أمير- الحك مسيقولونها نحن أبناءعم
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك و اغرس السيفَ في جبهةالصحراء إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك فارسًا،وأخًا،وأبًا،ومَلِك
(3)
لاتصالح ولو حرمتك الرقاد صرخاتُ الندامة وتذكَّر
إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة
أن بنتَ أخيك اليمامة زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبابثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي فأرفعها -وهي ضاحكةٌ فوق ظهرالجواد
ها هي الآن صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدرمن كلمات أبيها،ارتداءِ الثياب الجديدةِ
 من أن يكون لها -ذات يوم أخٌ
من أبٍ يتبسَّم في عرسها وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحوأحضانه،لينالواالهدايا ويلهوا بلحيته (وهومستسلمٌ ويشدُّ واالعمامة)
لاتصالح
فما ذنب تلك اليمامة لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟
(4)
لاتصالح ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟وكيف تصيرالمليكَ على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك فلا تبصرالدم في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ وسيفك زيفٌ إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت الترف
(5)
لاتصالح
ولو قال من مال عندالصدامْ ما بنا طاقة لامتشاق الحسام
عندما يملأ الحق قلبك تندلع النار إن تتنفَّسْ ولسانُ الخيانة يخرس
لاتصالح ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لاتصالح ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم واروِالتراب المقدَّس
واروِ أسلافَكَ الراقدين إلى أن تردَّ عليك العظام
(6)
لاتصالح ولو ناشدتك القبيلة باسم حزن الجليلة
أن تسوق الدهاءَوتُبدي -لمن قصدوك القبول سيقولونها
أنت تطلب ثأرًا يطول
 فخذ الآن- ما تستطيع قليلاً من الحق في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلبالثأرَ،
يستولد الحقَّ،من أَضْلُع المستحيل
لاتصالح ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ تبهتُ شعلته في الضلوع إذا ما توالت عليها الفصول
ثم تبقى يد العار مرسومة بأصابعها الخمس فوق الجباهِ الذليلة
(7)
لاتصالحْ،
ولو حذَّرتْك النجوم ورمى لك كهَّانُها بالنبأ
كنت أغفر لو أنني متُّ ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ
لم أكن غازيًا،لم أكن أتسلل قرب مضاربهم أوأحوم وراء التخوم
لم أمد يدًا لثمارالكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي  بي انتبه 
كان يمشي معي ثم صافحني ثم سار قليلاً ولكنه في الغصون اختبأ
فجأةً ثقبتني قشعريرة بين ضعلين واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ فرأيتُ: ابن عمي الزنيم واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ أو سلاح قديم،لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ
(8)
لاتصالحُ إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة
النجوم لميقاتها والطيورلأصواتها والرمال لذراتها والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي -
الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة والذي اغتالني: ليس ربًا ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني ليقتلني بسكينته ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لاتصالحْ فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ في شرف القلب لاتُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ سرق الأرض من بين عينيَّ والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة
(9)
لاتصالح فليس سوى أن تريد أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد وسواك المسوخ
(10)
لا تصالحْ لا تصالحْ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق