الأحد، 29 مايو 2011

صورتك


فتشت طويلا أبحث عن صورة لك في أوراق ذكرياتي .. تخيل ؟! لم أجد لك سوى صوره واحدة.. و لكنها تغنيني عن كل الصور.. فهي صورة لا يحبسها إطار و لا ورق .. انما هي صورة من لحم و دم .. فهي محفورة في قلبي ..
صوره ألونها بألوان الربيع .. فأراك ضاحكا و أراك مرحا و أراك مقبلا و متفائلا . أراك كالفراشات تحلق عاليا و تتلون بألوان زاهية .. أراك أنيقا و متعطرا بالزهور .. أحسك كنسمة عبير تلامس صفحة وجهي فينتعش و يصبح نضرا كأوراق الزهور .. تلون خدودي بحمرة الورود و عيوني بزرقة المياه و شفاهي بلون الكرز اللامع .. أشعر أني شهية كفاكهة في بستان يانع..
أما صورة الصيف، فهي مضيئة بأشعة الشمس المنعكسة على عينيك سابرة بعضا من أغوار نفسك دون بعض .. كاسية جسدك بلون البرونز الذي يزيده سحرا لحيتك المهملة و ملابسك التي اكتسبت لونها من لون البحر .. تمرر أصابعك بحنان و انسياب بين خصلات شعري كأنها نسمات تداعبه .. و تطبع قبلة على شفتي فتصبغهما بحمرة التوت .. أشعر أني مراهقة تتحسس خطواتها على عتبات النضوج.
و صورة ألونها بألوان الخريف .. و مع ذلك لا تبعث في نفسي الحزن أو الكآبة بالعكس فهي تبعث في نفسي إحساسا عميقا بالمهابة و الوقار .. البني لعينيك .. و الرمادي و الأصفر لملابسك .. أما بشرتك فبيضاء .. و عودك كجذوع الشجر شامخ أمام الرياح .. هامتك عالية وضّاءة رغم الغيوم التي تلوح في السماء .. رغم الكَدَر الذي ينتشر في الهواء .. ترتسم على وجهك ابتسامة هادئة مطمئنة و تملأ عينيك نظرة كأنها تستشرف الغد فترى الربيع القادم ..
تنظر الى عينيّ و تحيطني بذراعيك .. تلون شعري بلون الكستناء .. و شفاهي بلون القرنفل القاني .. أشعر أني ناضجة..
و حين يأتي الشتاء ببرده القارس و سمائه الداكنة ذات الغيوم .. يزداد بريق عينيك .. و تلسع برودة الهواء وجهك فتصبغ أنفك و خداك بحمرة تبعث الدفء في نفسي .. أقترب منك فأشم عبقا يشبه رائحة الهواء الذي دفأته شمس الشتاء بعد المطر.. رائحة نقية تمتزج فيها البرودة بالدفء .. تهمس في أذني "أحبك" .. أشعر أني كالأرض العطشى ساعة تلامسها حبات المطر .. أُنبت و أُثمر .. أشعر أني الملكة المتوجة على عرش قلبك فأطمئن.

هكذا رسمتك و حفرت صورتك في قلبي .. فاستدفأت و اطمأننت و مارست مشاغبات الأطفال و مكرهم و استمتعت بهدوء الكبار و نزقهم .. و شعرت أني امرأة....

أنا .. و المطر .. و أنت

يتملكني شعور غريب .. شعور بين الهدوء و الحزن و الرغبة في إطالة الصمت .. و أحيانا البكاء ..
يذكرني البكاء بالمطر .. فبعد البكاء الشديد تأتي راحة أشبه بهذا الهدوء الذي يتلو لحظات المطر الشديد.
لكم أحب المطر و أحب رائحة الهواء أثناء المطر و بعده .. يا الله .. أشعر أنه يتوغل إلى داخل ذرات نفسي و خلايا دمي فيحيل حزني هدوءا .. و غضبي مرحا .. و نزقي ابداعا .. تذكرني تلك الأحاسيس بسحر أنفاسك حين أتنفسها ..  تدخل الى رئتي فتحيل الظلام نورا .. و تجذب النوم الهادئ الى جفوني .. أضع رأسي على صدرك العريض و أداعب بيدي شعيراته الكثيفة و أتمنى لو بقيت هاهنا الى الأبد .. تمنيت أن أستمع لصوت نبضات قلبك و أنت تحتضنني و لكن الغريب أنها لم تكن هناك و لو لمرة واحدة.. هل حقا  تحبني كما تقول؟ لا أظن .. أظنك فقط أحببت ابتسامتي الفرحة الخجلى كلما أطلت النظر إلى وجهي أو أطريت عليّ بكلام جميل .. أظنك فقط أحببت هذا الحب الجارف الذي يطل من عينيّ نحوك .. أظنني فقط أشعرتك بذلك الامتلاء الذكوري و بأنك قادر على أن تؤثر في امرأة و تجعل حياتها كلها تدور في فلكك .. نعم هكذا كنتُ .. كنتُ كوكبا يدور حول نجمه المضئ .
أتعرف  أنك كنت نافذتي لأطل على ما حولي و من حولي؟ أتعرف أنك كنت الحلم الجميل الذي تكتحل به جفوني في النوم؟ أظنك تذكر كم هاتفتك لتكون أول صوت أسمعه حين أصحو و آخر صوت أسمعه عند نومي .. يااااه .. لا زلت أذكر شعوري عند سماع صوتك عبر الهاتف يدللني و يداعبني .. و أذكر أيضا أن هذا كان في الأيام الأُوَل .. و آآآآآه من الأيام الأول.
أحببتك كما تحب أمرأة رجلأ .. أحببتك و جعلتك كل شخص حولي .. كنت حبيبي .. و صديقي و صاحبي و أبي و أخي .. كنت كل شئ لي .. و لكن يبدو أنك لم تحب من هذه الأدوار إلا دورا واحدا .. الصديق .. و ارتضيت أن تكون مثلهم جميعا .. فكلهم كانوا يفضلونني صديقة .. لا أحد منهم امتلك الجرأة ليعبر أسوار القصر و يخطفني .. الفارق بينك و بينهم أنك لم تكن بحاجة لعبور الأسوار فقد فتحت لك كل الأبواب .. من أيها شئت ولجت ..
أتعرف؟ بعد أن مرت تلك السنون منذ افترقنا.. لم أبرأ بعد من الجرح .. لا زالت عيناي تذرفان الدمع كلما ذكرتك .. لا زال المطر يذكرني ببكائي بين يديك .. لا زالت رائحة الهواء النقي الدافئ المبلل بعد المطر تذكرني بأنفاسك .. أيها الرجل أما تملك قلبا؟ كيف لم تشعر بكل هذا الحب .. كيف لم تشعر بي كامرأة .. أنا التي ما كنت امرأة إلا معك .. أنا من أتقنت فنون الحب و الغنج و العشق و خبأتها لأجلك أنت و مارستها معك أنت .. كيف تمكنت من تجاهل ابتسامتي الخجلى و بريق عيني الحيي الغنج حين تغمرني بتلك النظرة التي لا ينظرها إلا رجل لامرأة ..
أخبرني كيف هي الحياة بغيري؟ أخبرني كيف هو الصباح بدون ابتسامتي؟ أخبرني كيف هو النوم بغير دلالي و غنجي و همسي في أذنيك .. أحبك ..
أتعرف؟ من أجلك أنت نظرت في وجوه ما كنت لأنظر إليها أبدا .. من أجلك أنت أرقتُ ماء وجهي .. من أجلك أنت خضت حروبا أثخنتني جراحا و ألما .. من أجلك أنت طفت الدروب و الوديان و الجبال .. تمنيت فقط أن أري السعادة على وجهك أن أري عينيك الزجاجيتين تضحكان بحنو .. كنت طفلة تمارس لعب الأطفال بين يديك و تتمنى أن تضمها إلى صدرك و تبتسم في وجهها ابتسامة رضاً و لكنك أبيت .. استنفدت كل حيلي و قهرت براعة الأنثى بداخلي .. جردتني من أنوثتي .. لم أكن لك سوى الصديق الذي تعلم جيدا أنه لن يخذلك .. و أنك مهما قصرت في حقه فلن يعذلك .. واهٍ لأنانيتك يا رجل .. واهٍ للألم الذي ما زال يحرِّق ضلوعي .. أما أشفقت عليَّ؟
لكم هو قاس قلبك .. و لكم هي جامدة ملامحك .. و لكم هي زجاجية عيناك .. و لكم كنت ساذَجة حين ظننت أن بكائي أو صراخي أو حتى موتي بين يديك سيشعرك أنني محمومة بحبك و أن دوائي هو أنت ..
لا أملك سوى كلمات أخطها على ورق لن يصلك منه حرف واحد .. فلن نجتمع أنا و أنت أبدا إلا على الورق.