السبت، 15 ديسمبر 2012

ماذا بعد الاستفتاء؟


أعرف أن نتيجة الاستفتاء على الدستور ستأتي مخالفة لما أتمناه .. أعرف أن الغلبة ستكون للمؤيدين .. و لن أقول أنها ستكون بالتزوير بقدر ما  هي ناتجة عن قدرة تيار الاخوان المسلمين و السلفيين على الحشد تحت سحر كلمة "تطبيق شرع الله .. و أن مناهضيهم يرغبون في هدم الإسلام و أنهم يكرهون الشريعة الإسلامية".

المهم ماذا بعد نتيجة الاستفتاء؟!! المهم كيف سندير حياتنا اليومية و نتواجه كل صباح في الشارع و العمل و المحال التجارية؟!! .. لا أتحدث هنا عن إدارة هذا الاختلاف سياسيا .. لأن النخب السياسية سواء المؤيدة أو المعارضة قد أثبتت فشلها بجدارة في أن تدير خلافا سياسيا لا ينقلنا إلى دائرة الدم .
هل سيلتزم الفريق المؤيد بعدم محاولة إثارة حفيظة المعارضين بأقوال مثل "و قالت الصناديق نعم للإسلام" و  "لقد انتصر الإسلام و ليمت الليبراليون و العلمانيون بغيظهم" هل سيتوقفون عن إلقاء تهمة الكفر على كل من قال "لا" للدستور؟ هل سيتوقفون عن اتهام المعارضين بالعمالة و تنفيذ أجندة الغرب لإجهاض المشروع الإسلامي "الذي لا تبدو له أية ملامح حتى في هذا الدستور المستفتى عليه"؟
هل فكر كل من حوّل خلافنا السياسي حول الدستور  إلى معركة حول الحق و الباطل ، معركة حول الإسلام و الكفر ، هل فكروا أن أبواب و حوائط البيت الواحد يعيش خلفها مؤيدون و معارضون، أسرةٌ واحدةٌ؟ هل فكروا كيف أثّرت هذه المعركة المختلقة على العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة؟ هل فكروا كيف سينهون هذا الاحتقان الذي سيظل ينمو و يتفاقم و الذي ستعمل أجهزة الإعلام من كلا الطرفين على زيادته و تحويله إلى معارك كلامية في الفضاء الإعلامي ستتحول في غالب الظن إلى معارك بالسلاح على أرض الواقع؟

بالتأكيد لم يفكر أي من مديري هذا الخلاف في أثره على مجتمعنا المختلف من حيث مستوى إدراك مدى عمق هذا الخلاف .. فحقا هناك من يراه خلافا حول تحكيم شرع الله .. و حقا هناك من يراه خلافا حول الإسلام ... و حقا هناك من يراه محاولة لإسقاط الرئيس .. و  صدقا هناك من يراه خلافا سياسيا تجب إدارته سياسيا و لا دخل للإسلام أو الشريعة فيه.

للأسف جميع من حولوا خلافنا السياسي إلى معركة و جميع من أسهموا في جعل شباب هذا الوطن الذي وقف كتفا إلى كتف في مواجهة شرطة النظام السابق و أسقطوا رأسه، يقتتلون أمام قصر الاتحادية، لم يفكر أي منهم إلى أين سيؤدي هذا الخلاف على المستوى الاجتماعي و لا أظن أنهم أصلا يهتمون لمثل هذا الأثر بقدر اهتمامهم بتحقيق نجاحاتهم الشخصية و انتصاراتهم السياسية.

آمل أن يستطيع مجتمعنا مداواة الجراح التي أصابته و أن نتخطى أزمة الدستور و أن نتعلم أن نزن الأمور بميزانها الحقيقي .. و أن يبقى المعارض معارضا ما دام يرى من ممارسات الحاكم عزوفا عن تحقيق مصلحة الوطن .. و أن يبقى المؤيد مؤيدا دون مغالاة و دون تحويل المعارض إلى شيطان عميل يحاول هدم الدين.

دائرة الدم


لم يحدث لنا كل هذا ؟.. لم أصبحنا نجترئ على دائرة الدم ؟ ... و أصبحت الدائرة تتسع .. في كل يوم تُضاف أسماء جديدة للقائمة .. و لا أحد يُحاسب.

لم أصبحت دماؤنا رخيصة على بعضنا البعض؟ في البدء ، كنت أفهم أن دماءنا رخيصة على الحاكم و أتباعه و من يحمونه .. شرطته و أمن دولته و مخابراته .. كل هؤلاء كانوا ينهشون لحمنا جميعا و يقتلون الأمل بداخلنا .. أما الآن فنحن من نقتتل .. نحن من وقفنا يوما ما جنبا إلى جنب في وجهه .. تخلف منا من تخلف و صمد منا من صمد .. و لكننا وقتها كنا على يقين تام بأننا نقاتل الظالم و رجاله .. و أن من يموت منهم فهو يموت دفاعا عن الباطل و عن الأوامر الصادرة إليه و من يموت منا فإنه يموت دفاعا عن الحق و عن إيمانه بأننا جميعا -بما فينا هؤلاء الواقفون أمامنا موجهين أسلحتهم نحونا- نستحق حياة أفضل و كرامة داخل وطننا قبل خارجه . أما الآن فنحن نقتل بعضنا البعض .. ما بين مؤيد و معارض .. يظن المؤيد أنه ينصر شرع الله – هكذا قالوا له- أخبروه أنّ المعارضين لا يبغون هذا الدستور لأنهم يخشون شرع الله و يرفضون تطبيقه و من يرفض شرع الله فهو كافر. أما المعارضون و أغلبهم من المثقفين فلا زالوا يملكون ذات النبرة المتعالية التي لا تمس وجدان المواطن و لا تصل إلى عقل المعارض .. فضلنا أن نلصق بهم صفات التبعية و أن نعتبرهم خرافا على أن نتفهم ما تصبه نخبتهم في آذانهم عنا و ما يعرضونه عليهم من أفكار و صور مشوهة عنا .. للأسف فشلنا كما فشلوا في احتواء الاختلاف السياسي في حدود السياسة .. غير أننا ابتُلينا بنخبة نخر السوس عظامها و ركبها الغرور و الإحساس بالذات بالإضافة إلى استماتة بعض أشخاصها على كرسي السلطة .. فأتت تصريحاتهم شائهة مشوِّهة و نكبتنا بدلا من أن تنصرنا .

ألا فلتذهب النخبة و السلطة إلى الجحيم ، فإنهم لن يستطيعوا إيقاف اتساع دائرة الدم ما داموا يصرون جميعا على العناد و المكابرة .. إنهم لا يخسرون شيئا .. إنهم يضحون بدماء غيرهم .. يقتاتون عليها ليبنوا أمجادهم .. كلهم يتاجر بدمائنا و لا أحد منهم يكترث حقا لمن مات أو أصيب. حينما أنظر إليهم أتذكر وجوه مصاصي الدماء يسلبونك الحياة ليحيوا.

هل لازلت يا مصر عطشى لدماء أبنائك؟ هل لا وال ترابك يرغب في الارتواء بمزيد من الدماء؟ إن كنت لابد فاعلة فلا تجعلينا نقتل بعضنا بعضا .. لا تتركينا نقتتل لأجلك .. ارحمي أبناءك .. فلتأكلي النخبة و الحكام و لكن اتركي شبابا طاهرا لا ذنب له سوى حبك .. اتركينا نحيا لنعمرك بحبنا لك .. أتعلمين كم نحبك حقا؟ أتعلمين كم نود أن تصبحي أم الدنيا كما كنت؟ لا أظنك تدركين.
دماؤنا جميعا حرام .. دماؤنا جميعا أنبل من أن نريقها من أجل مجد من لا مجد لهم .. من أجل تجار دين أو تجار سياسة .. دماء الثائر أنقى من أن تدنسوها بأحلامكم في أمجاد سياسية .. دماء الثائر أطهر من أن تصموها بالكفر و الرغبة في التخريب .. كفوا إعلامكم الخرب عنا .. كفوا أكاذيبكم عنا .. توقفوا .. توقفوا فقد تعبنا .. لقد أعيانا كثرة ما فعلتم بنا .. مبارك ثم العسكر ثم الإخوان و النخبة .. أليس بينكم من يستطيع نزع ذاتيته ليذوب في هذا الشعب و يعمل لصالحه؟!

حقا لقد هرمنا .. كفوا أيديكم عنا حقنا لدمائنا .. كفوا أيديكم عنا لمصلحة هذا الوطن .. كفانا إنقساما و كراهية لبعضنا البعض . كفوا عنا يرحمنا و يرحمكم الله.