الخميس، 26 مايو 2011

الأيام الستة

     اليوم الأول ( اعادة تقييم)

جلست على الأرض وسط باحة المنزل ، أنظر حولي الى أوراقي و أفكاري المبعثرة في كل أرجاء المكان . جلست وسطها أتأملها كأني عاجزة عن لملمتها و أخيرا قررت أن أمد يدي لألملمها و أرتبها ان استطعت.

بدأت بأقربها الي مكانا.. فتحت الورقة المطوية و قرأت فوجدته هراء .. مجرد أفكار لا معنى لها عن امرأة عجوز و فتاة رقيقة .. ما هذا الهراء ؟ مزقت الورقة و ألقيتها و انتقلت الى فكرة أخرى تصفحتها سريعا فوجدتها فكرة قديمة عن حب ضاع في زمن ضائع .. ألا زلت أذكر هذا أيضا؟..
علي أن أسقطه من الذاكرة فلم تعد له فائدة و لا نفع.. رميت تلك الورقة أيضا .. و ظلت يدي تمتد من فكرة الى أخرى أتصفحها ثم أطرحها أرضا من جديد.. و اكتشفت في النهاية بعد أن زحفت على الأرض قرابة يوم كامل وراء أفكاري أنها كلها تراهات و هراء ولا معنى له.. أفكار قديمة بالية وثانية بلهاء و البعض الثالث لا أجد له نفعا ولا ضررا .. تركت الباحة بما فيها من أوراق و أغلقت الباب جيدا و ألقيت بالمفتاح وسط الرمال حتى لا أحاول المروق اليها مرة أخرى و لا أسمح لأي شخص أن يصل اليها و يكشف تلك الحقيقة المريرة عني و عن أفكاري.

اليوم الثاني ( الاختيار)


يسألني الاختيار في وقت ضاعت فيه مني كل مفاتيح الأسرار.. في وقت أكاد فيه أشبه البحار .. تتلاطم أمواجها تتسابق تتلاحق دون أن تدري متى الاستقرار .. في وقت أضحت فيه الحقائق و الأكاذيب أمامي سواء.. وقت أحاط فيه بكل الأسرار و في نفس الوقت أشعر أني عارية في مواجهة التيار.

يسألني الاختيار في حين يملك هو مفاتيح الأسوار .. و أرسف أنا في أغلال الخوف و الضياع..

يسألني الاختيار ، و هو يتربع على عرشه النوراني .. يعبث بجدائل الشمس الذهبية و يداعب نسمات الرياح، بينما أحاول الهروب من قيعان نفسي، الانفلات من لهيب نيران ذلك الخوف .. الهروب من برودة ثلوج الضياع و الوحدة.

يسألني الاختيار.. و هو ينعم بكل الحريات و يملك كل المفاتيح و أنا .. حبيسة الأسوار .. رهينة الخوف أو الألم أو الضياع.


اليوم الثالث(الفراغ)


قررت أكثر من مرة أن أتوقف عن تلك العادة، حيث اقتنعت بأني غير موهوبة فيها و لكني لم أستطع ان أمنع نفسي عن ممارسة الكتابة و كأنها هي المنفذ الوحيد الذي أستطيع من خلاله تخليص نفسي من أشياء كثيرة. منها الألم أو الحزن أو الضياع أو الفراغ.. قد يستعجب الكثير من أن أحاول التخلص من الفراغ فالكثير يتمنى أن يجد و لو قليلا منه.

و لكني أؤكد أن الفراغ قاتل فحينما يشعر الانسان بأنه خاو تماما حتى ليكاد أن يكون مجرد ورقة بيضاء لا تشوبها حتى مجرد السطور .. مجرد ورقة بيضاء بلا ملامح و بلا شخصية.. ان تقاذفتها الرياح فلن يبحث عنها أحد فلا أهمية لها، قد يصادفها بائع فول فيأخذها و يصنع منها قراطيس يضع فيها مأكولاته أو يصادفها جامع قمامة فيأخذها الى حيث محرقة القمامة، أو لا يصادفها أحد فتظل تتناقلها الرياح بلا هوية و بلا عنوان.. هذا هو شعور الفراغ.. فهل علمتم الآن كم هو قاس و يجب التخلص من؟


اليوم الرابع (عينان أخشاهما)


رأيته كثيرا في عينيه و لكني لم أستطع البوح بما في داخلي.. لم أستطع البوح بظمأي الشديد الى ما أراه في عينيه. كتمت بداخلي ذلك الوحش الرهيب الذي بدأ يقطع أحشائي بمخالبه.. بدأ يتألب علي و على كل ما أفرضه عليه من حواجز . ياله من وحش صغير نعم و لكنه قدير على أن يفتك بكل الأسوار أن يقتلعها من أساسها ليعرب عن نفسه و ليوضح ما يريد و يحصل عليه.

فليساعدني الله على كبح جماحه و تهدئته.

اليوم الخامس (الهروب)


حاول مواجهتي مرة أخرى و لكني هربت.. في كل مرة يحاول فيها مواجهتي أهرب . فأنا أخشاه .. تلك هي المشكلة. أعلم أني أتمناه بكل جوارحي و لكن كلما اقترب مني لا أستطيع مواجهته .. لا أستطيع معايشته .. و كأنما بيني و بينه ما يحول .. كأن جدارا عاليا يرتفع بيني و بينه جدار ينبني بداخلي و يحول بين النور و عيني .. بين الحب و قلبي.. بين الهواء و رئتي.

لا أدري لهذا الخوف سببا .. انه يجعلني أفر سريعا هربا من المواجهة.. يجعلني أجري كما الطريدة يلاحقها صائدها.. رغم أنني أنا من تمنيت و أنا من طلبت الا أني سرعان ما أهرب.. ألوذ بالفرار و كأنه الطاعون يطاردني. ليتني أتوقف ولو مرة . استجمع فيها قواي و أهدم ذلك الجدار الرهيب و أواجهه.. فقد أجد ما ضاع مني و يضيع كل يوم دون أن أشعر..

اليوم السادس (احتياج)


انزلقت في فراشها ، علها تنعم بالقليل من النوم، فهي مجهدة جدا، منذ أيام لم تتمكن من النوم ، ثمة ما يؤرقها.

حينما وضعت رأسها على الوسادة كانت منهكة جدا تمنت أن تغرق في نوم عميق لا يوقظها منه أحد.. و لكنها حين أغلقت عينيها تسارعت الى رأسها الذكريات لا تدري لم تذكرت هذه الأشياء مجتمعة و كأن شريط حياتها يعيد نفسه أمامها مرة أخرى .. و بدلا من أن يسرع النوم الى جفونها أسرعت العبرات تبلل و جنتيها و وسادتها.. انها لا تعرف سر ذلك البكاء و ظلت تسأل نفسها عن سر انهمار تلك الدموع و لكنها لم تملك سوى الاجهاش في البكاء.. حتى شعرت بالألم يدب الى رأسها و يزداد عنفا حتى أنها لم تستطع منع نفسها من الصراخ.. فالألم شديد و تلك الرغبة اللعينة في البكاء تحرك مشاعرها و أعضاءها جميعا للبكاء .. ظلت تحترق بين الألم و الارهاق و الرغبة في البكاء حتى دق جرس المنبه معلنا بدء يومها الجديد.. وقتها فقط أدركت أنها لا تريد الليل أبدا فهي لن تحصل على راحتها فيه.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق