الخميس، 15 سبتمبر 2011

البحث عن القمر


في شرفتها العالية التي تكاد تلامس السماء في ذلك البلد البعيد الغريب الذي هجرت وطنها إليه .. وقفت تنظر إلى السماء المزدانة بالنجوم التي لا يلحظها أحد وسط تلك المصابيح الملونة التي تحول ليل المدينة لما يشبه الغروب أو الشروق فتتوارى النجوم حزينة لأن أحدا لا يلحظها .. فقد فقدت جميع وظائفها لبني البشر .. من الاستضاءة إلى الاستهداء .

حاولت البحث عن القمر .. هي لا تعلم في أي أيام الشهر العربي هي و لكنها تمنت أن تراه بدرا .. أوحشها وجه القمر المضيء الهادئ .. صديق طفولتها و شبابها .. بحثت عنه بلا طائل يبدو أنها اختارت اليوم غير المناسب .. أو لعله يكون متواريا خلف أي من تلك البنايات المستطيلة عازفا عن بني البشر الذين أصبحوا لا يلحظونه أيضا.
في بلادنا العربية لا نبحث عنه إلا لنعرف بدايات الأشهر العربية و نهاياتها .. لم نعد نبحث عنه لنستأنس به في الليالي المقمرة كما كان يفعل أجدادنا حينما كانوا يسكنون الصحراء و حينما كانت صفحة السماء منبسطة أمام أعينهم لا يحجبها عنهم مبنى و لا معنى
..

ربما يعود تعلقها بالسماء و كل ما تحمله من جمال إلى فترة طفولتها التي قضتها في أحدى ضواحي مدينتها الأثيرة الاسكندرية .. حيث كانت كل البيوت من طابق واحد و متباعدة .. و حيث كانت الطبيعة هي بطلة المشهد .. كانت السحب على الخلفية الزرقاء ترسم وجوها و طيورا و حيوانات أو هكذا كان يتراءى لها و هي تسير على الأرض الصفراء .. كانت تحلم كثيرا أنها تطير بين السماء و الأرض و لكنها حتى في أحلامها كانت دائما أقرب إلى الأرض منها إلى السماء .. كما لو أنها كانت تخشى أن تقترب من السماء فيكسر الواقع حلمها الخيالي بجمال السماء و صفائها كما كسرت الأيام و اقترابها من البشر ذلك الإحساس الطفولي الذي كانت تتعامل به مع كل الناس .. أما صديقها الأثير الذي كانت تتابع نموه و اكتماله ثم ضموره ثم عودته للنمو مرة أخرى فكان يضيئ صفحة السماء المظلمة ليلا و تتناثر حوله النجوم احتفاءً به .. ذلك هو حبيبها الأول .. القمر .
و ها هي اليوم تعاود البحث عنه في صفحة السماء في نوبة من نوبات الحنين الجارف إلى كل ما عرفته و ألفته في شبابها و طفولتها .. تمنت لو أطل عليها بضوئه الفضي الهادئ و أعاد الأمان و الطمأنينة إلى نفسها المضطربة.

دفعتها ظروف الحياة إلى ترك الوطن و الاغتراب .. الحياة في بلدها أصبحت صعبة رغم أنها و من كان زوجها كانا يعملان في وظائف محترمة و بدخل محترم و لكن،  تدخل الأهل .. ارتفاع الأسعار .. صعوبة الحياة .. ضيق الأرزاق و تغير الناس جعلتهما يهربان .. كانا يظنان أنهما سيكفي كل منهما الآخر في الغربة فقد تزوجا عن حب و تفاهم و و جمعت بينهما صداقة جميلة استمرت حتى بعد زواجهما .. كان كل منهما هو الضمانة للثاني .. راهنا على ذلك و سافرا و خسرا الرهان.

حين وُضِعت نقطة النهاية لم تعرف من منهما وضعها و لا لم وُضِعت .. و لكنها في لحظة النهاية لم تشعر بذلك الألم الذي كانت تتوقع .. الألم لم يكن كما تصورته أبدا .. تخيلت انهيارا و دموعا تنساب كالأنهار و اكتئاب و احتياج لطبيب نفسي و لكن لا شيء من هذا حدث .. تألمت نعم و لكن ليس كما يُتخيل لافتراق حبيبين مثلهما .. ألمها على فراق حسين كان أكبر.

 كان حسين ابن عمها  يصغرها بحوالي سبعة أعوام و لكنه كان من هؤلاء الأشخاص الذين لا تتخيل أنهم يعيشون معنا فوق نفس الأرض .. و بالفعل هو لم يعد يشاركنا نفس الأرض .. مات في حادث سير أليم .. صدمته سيارة و هو يعبر طريق قناة السويس ..  لم يتألم .. مات من توه.
تلقت الخبر في اتصال هاتفي .. لم تكن فجيعة الموت هي المصدر الوحيد للألم.
عدم قدرتها على العودة لتكون إلى جوار أهلها .. عدم رؤيتها لحسين و لو للمرة الأخيرة .. حزنها وحيدة بعبدة غريبة .. كل هذا جعل ألمها مضاعفا .. حاول زوجها احتواء ألمها و لكن طبيعته الصامتة الهادئة و انفعالاته المحسوبة دائما لم تساعده على أن يتخطى معها تلك الأزمة .. كان الألم يعتصرها حتى أنها فقدت وزنا كثيرا .. و من يعرفها جيدا سيعرف أنها فقدت جزءا من نفسها.

لم يكن موت حسين هو السبب الوحيد .. و لكن موته أكد إحساسها بالاغتراب .. هي بعيدة في كل الأحداث .. لا تشارك احدا فرحا و لا حزنا .. خيرا و لا شرا .. تسمع أخبار وطنها كالأغراب لا يمكنها المشاركة في بناء ما يُبنى و لا نقد ما يُهدم .. حياتها تنحصر في العمل و زوجها و أولادها .. لا أصدقاء .. كلهم زملاء أو معارف أو أصحاب و لكنهم ليسوا أصدقاءً .. لا يمكنها أن تخلع أقنعتها أمامهم .. لا يمكنها أن تكون نفسها أمامهم .. حتى زوجها لم يعد ذلك الصديق الذي كان يغنيها عن كل الناس .. أصبحت تفتقد وجوها قديمة في ذاكرتها .. أصدقاء من أيام الطفولة .. ربما لا تذكر أسماءهم الآن و لكن الوجوه و العيون لا تُنسى .. تمنت لو استطاعت الاجتماع بهم و لكن أنى لها هذا .. هي لا تعرف عن أخبارهم منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما .. منذ تخرجت في مدرستها .. "ياااااااااااااااااه .. كل هذه الأعوام مرت ... لابد أني أقترب الآن من بداية النهاية" .. هكذا حدثتها نفسها .

مرت كل هذه الذكريات و الأفكار برأسها و هي لازالت معلقة في شرفتها تبحث عن القمر ..
في ليال كثيرة و من بينها تلك الليلة حدثتها نفسها أن تهاتف حازم و تناشده العودة و استكمال الحياة معها .. أحيانا تفتقد أنفاسه بجوارها فيعز النوم عليها .. أحيانا تتمنى لو أمكنها استشعار ساعديه حول خصرها و لو لمرة أخيرة .. أن تضع رأسها على صدره .. أن تملأ رئتيها بأنفاسه .. أن تترك شفتاها لشفتيه تلتهمانهما .. أن تكون معه .. تحدثه .. تسمع صوته .. تترك يديها بين يديه و تريح رأسها على كتفه .. تعد له كوب الشاي المصري الساخن و تجلس إلى جواره و هو يكتب و يعطيها ما كتب لتقرأ و تراجع و تعدل إن احتاج الأمر .. أن تغتاظ منه و هو مستول على التليفزيون لمتابعة مباراة كرة قدم بينما هي تريد أن تشاهد قناة ناشيونال جيوجرافيك لتتابع قصة الحيوانات الجليدية.
 ن أن يااااااااااااااه نعم كثيرا ما افتقدته في تلك السنوات الأربع الماضية و لكنها أبدا لم تجرؤ أن تهاتفه .. لا زالت تحفظ رقم هاتفه الجوال عن ظهر قلب .. و لكنها لا تدري إن كان هو أيضا يحمل نفس الشعور .. أم أن قلبه دق بحب امرأة أخري ..
تعرف أنه لم يتزوج .. و لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه لازال يفكر فيها.

بقيت في هذا البلد الغريب أربعة سنوات وحيدة .. كانت تخشى العودة إلى الوطن و مواجهة أعين الأهل الغاضبين أو المشفقين عليها من الوحدة .. حياتها جافة لا يرويها سوى هاتين العينين الجميلتين لتلك البنت التي كانت ثمرة زواجها .. أصبحت الآن على مشارف الخامسة عشرة من عمرها .. أدهشتها قدرة نور على تقبل انفصالهما منذ أربع سنوات .. و أذهلتها أيضا قدرتها على الحفاظ على علاقتها بكليهما .. هي تعيش معها و لكنها تري أباها كثيرا و تذهب أحيانا إلى منزله لتبقى معه ..
" أحيانا أفتقد دفء اكتمال أسرتنا الصغيرة .. و لكن ... دعي عنك هذه الأفكار " هكذا بدأت الفكرة و أنهتها لكي لا تتعذب بها أكثر ..

أصبح الجو شديد البرودة و الوقت متأخر و نور ستبيت لدى أبيها الليلة. و هي وحيدة في المنزل المقترب من السماء ذات النجوم الخجلى و القمر المختبئ .. و لكن عليها العودة إلى الداخل قبل أن تتجمد أوصالها .. ستقضي ليلة باردة أخري .. وحيدة بلا مؤنس.

                                           

الخميس، 30 يونيو 2011

هدية القمر

كان القمر هلالا حين اصطحبها في تلك الرحلة التي لن تنساها.. داعب شعاعه الفضي عينيها وهي نائمة ..فركت عينيها و خرجت الى الشرفة لتجده في انتظارها يدعوها لرحلة على منحناه المضيء .. و قبلت.. تجولت بين النجوم .. داعبت السحب بأطراف أصابعها.. شعرت أنها طفلة لم تتجاوز الخامسة كانت تضحك حتى تنقلب على ظهرها .. ما عادت تخشى صوت الضحكات (فممنوع على الأرض أن تضحك فتاة مهذبة بصوت عال) ضحكت ملء حنجرتها و فلبها و كل أنملة فيها.  كانت تضحك و تهتز و تضرب كفا بكف ... تداعب النجوم ، تضحك لبعضها و تخرج لسانها محركة يديها خلف أذنيها للبعض الآخر..

            اهتز الهلال قليلا منبها اياها الى خطورة ما تفعل فهي معلقة في الهواء وقد تسقط في أي لحظة نتيجة لهذا التهور، اعتدلت في جلستها و انتبهت لأول مرة منذ بدء الرحلة أنها يمكنها مشاهدة أهل الأرض ، أنها يمكنها أن تطلع على كثير من الأسرار و الأخبار أنها وقعت على كنز لا ينتهي من الحكايات .. اجتذب سمعها صوت ما.. ألقت أذنها الى حيث يأتي الصوت و لكنها اكتشفت أن الصوت أصبح أصواتا تأتي من كل أنحاء الكرة المتموجة أسفلها.. انها آهات العشاق.. تتصاعد حتى النجوم تشهدها على ما تحمله القلوب من وله.
 رغم بعد المسافات بينهما رغم الأبواب المغلقة تحول دون لقائهما الا أن كل حبيبين يتلاقيان.. شاهدت في تلك الليلة أبدع مشهد قد تقع عليه عين .. رأت قلوب المتحابين تتصاعد الى السماء كأنها الفراشات المضيئة تطير متتابعة و تتجمع في ثنائيات راقصة حتى تلامس السحب و هناك تستقر قلبا و قلبا.. يتناجيان .. يتعاتبان .. يتعانقان.. يتبادلان كلمات الحب .. أو حتى القبلات .. كلها أمور مشروعة في تلك الرحلة.. دققت النظر في كل القلوب و لكن أين قلبها؟ لم لا تراه بين تلك القلوب ؟ رغم أنها ترى قلوبا منذ بدء الخليقة و قلوبا لم يخلق أصحابها بعد.. قلوب من عصور فاتت و أخرى من عصور قادمة.. كلها تتهامس تتواصل.. يدفئ أحدها الآخر يمنح كل منهما الأمان و السعادة و الحب للآخر .. الا قلبها أين هو في ذلك الربيع المزهر بالقلوب؟

نظرت للهلال متسائلة فأشاح بوجهه ليداري دمعة فرت منه و لكنها شعرت بدفئها حين امتدت يدها لوجهه........... أدركت أنها ستظل وحيدة .. بلا قلب تناجيه و يناجيها .. بلا عيون تنظر اليها فتنسى الدنيا و ما بها لتبحر فيهما.. علمت الآن فقط لم اختارها هي بالذات لتلك الرحلة.. كأنما هي محاولة لتعويضها عن تلك الوحدة اللامنتهية التي ستعيشها أراد أن يريها ما لن يستطيع بشر سواها رؤيته ولا حتى تخيله.. تحدرت من عينيها دمعة فدمعة فدمعة .. حاولت أن تمنع الدموع بابتسامة مرتعشة و لكن الابتسامة تحولت الى نشيج طويل يؤلم قلبها.. حاول الهلال مداعبتها و لكنه لم يقو على مقاومة البكاء هو أيضا.. احتضنها، ربت عليها ، ضمها اليه بشدة .. شعر بنبض قلبها المتعالي سمع تلك الآهة المكتومة بداخلها.. لم يدر ماذا يفعل لها .. هل يهبها قلبا؟  و لكن أين هو ذلك القلب؟ هل يهبها قلبه؟ و لكن ماذا ستفعل هي بتلك الصخور الناتئة ؟




سألها: هل تحب أن تعود هزت رأسها في حضنه بالنفي .. رفع رأسها عن صدره ونظر الى عينيها المغرورقة بالدموع فرأى انعكاس شعاعه الفضي داخل عينيها الجميلتين. ! يالهما من عينين.. تساءل بداخله كيف يستطيع المرء مقاومة ذلك السحر المختبئ بداخلهما؟ تبا لكم أيها الآدميون!..
 سألها: هل تود أن تصبح نجمة في السماء تضيء فقط كلما جاد الزمان بالوصل على عاشقين؟ .. مسحت دموعها ونظرت اليه و قالت: كلا .. أريد أن أصبح نجمة ترشد قلوب العشاق الى بعضها البعض أريد أن أداعب البشر في أحلامهم أن أدغدغ مشاعرهم الرقيقة بصور أحبابهم .. أن أدفع كل حبيب في طريق حبيبه .. حتى تتلاقي كل القلوب و لا يبقى قلب وحيد ..


ابتسم القمر بسمة حزينة.. ثم قال : يمكنك أن تصبحي الالهام لقلوب العشاق و لكنك أبدا لن تستطيعي
أن تجدي لكل قلب قلبا ولا أن تضمني السعادة لتلك القلوب.. دائما ستكون هناك قلوبا وحيدة بلا مؤنس وقلوبا وحيدة رغم أن لها مؤنسا. و هؤلاء و أولئك بحاجة الى من يواسيهم و يشجعهم على مواصلة الحياة دون النظر الى تلك النقطة المظلمة في حياتهم.

فهمت عنه ما أراد و لكنها صمتت.. أراحت رأسها مرة أخرى على صدره ثم تنهدت تنهيدة طويلة و قالت: أعدني اذن الى حيث كنت و لكن أستحلفك بتلك الليلة و بكل ما رأيناه و سمعناه سويا ألا تتركني لوحدتي تنهش في روحي و تأكل أيامي يوما بعد يوم .. أن تكون معي كلما شعرت بالوحشة أو بالغربة أو بأي شعور قد يقودني الى حيث النهاية الأليمة. كن معي ...............................

ضمها بشدة و هو آخذ في الهبوط و حين وصل الى شرفتها سارعت بالهبوط .. كانت تريد أن تدفن رأسها في الفراش و بين الوسائد أن تغمض عينيها الى درجة ألا ترى شيئا مما حدث هناك مرة أخرى.
 لكم هي بحاجة الى صدرمحب يضمها و الى أنامل حانية تربت عليها و تداعب شعرها.. و لكن هيهات فالآن مات ذلك الأمل………………..


                                                     سناء أبو النصر
                       
                                                    15/07/2002


الضباب

القت بجسدها المنهك على أرض الغرفة و أسندت ظهرها و رأسها المثقلة بالهموم الى المكتبة .. و ما ان استقرت حتى داهمتها موجة هستيرية من البكاء و النشيج .. كانت تصمت ثم تضحك ضحكة ما ان تبدأ حتى تتحول الى آهة طويلة تتقطع لتصبح نشيجا ينهك قلبها الصغير فتصمت .. ثم.. تعاود الكرة ، مرة ..... فثانية..... فثالثة و هكذا. استمرت على هذه الحال أكثر من ساعة .. و فجأة قامت من جلستها تلك، مسحت أنهار الدموع التي كانت تسري على وجنتيها تتلاقى و تتنافر و لكنها في النهاية متحدة المصدر و السبب..
السبب .. ماهو السبب؟ هي نفسها لا تعرف .. داهمها شعور غريب بالوحدة و الضياع و ... العري........ نعم أحست أنها عارية لا يسترها أدنى ستار، شعرت أن عيون الناس تراها بلا غطاء يستر جسدها و لا حتى نفسها .. فجأة أحست أن مشاعرها و أفكارها و أحلامها وجسدها و كل شئ عزيز عليها .. كل شئ .. منتهك.
نعم منتهك ...........

ظلت تملأ كفيها بالماء و تغرق به وجهها مرات و مرات و هي تئن لتتنفس .. كانت تشعر كمن أفرغ لتوه جوفه من كل ما يحتويه..
ألم رهيب يجتاح رأسها و عظام وجهها، برودة غريبة تسري في أوصالها .. ألقت بنفسها في الفراش لملمت حولها الوسائد و الأغطية محاولة أن تشعر بالدفء و لكن هيهات... ألا بعدا لها .. ضمت احدى الوسائد بشدة الى جسدها علها تشعر بشئ من الدفء.. و لكن بلا فائدة..
في ذاكرتها بدأت تسمع صوت ضحكاته .. و ترى وجهه البرئ الجميل و هو يضحك من مداعباتها و غنائها له .. تذكرت احساسها حين ضمته.. تذكرت نظرات ابيه اليها و هي تلاعبه .. و تذكرت .... لقاءاتهما بعيدا عن أعين الجميع.. مصارحة كل منهما الآخر بأنه يحبه.. تعهد كل منهما للآخر بأن يظلا أصدقاء و أن يحاولا أن يتناسيا ما سوى ذلك .. تذكرت أنها حاولت أن تهرب من حياته أن تفر من قبضته التي تبقي عليها الى جانبه و لكنه أبدا ما سمح لها .. ان قبضته هي قلبها فكيف تتخلص منها ..

عادت دموعها تنهمر بشدة حين مر بخاطرها أن قطار حياتها قد مضى بعيدا و هي حتى الآن بلا وجه برئ يملأ حياتها ضحكات و صراخ .. راحة و قلق.. فرحة و خوف.. كل تلك المشاعر الجميلة التي غالبا لن تمارسها بالكامل يوما..
المسموح به هو القليل فقط.. ليس عليها سوى المداعبة و التدليل ليس من حقها القلق.. الخوف.. الغضب.. لا شئ فيما يخصه سوى اللهو و الملاعبة .. لا أكثر و لا أقل.

غجرية

حين كتبت اسمها وجدته يشبه الأسوار .. انها حبيسة كل شئ في حياتها..... الاسم، الملامح ، الحجم ، المكان، الأسرة .. كل شئ حولها هو سجن. روحها تود الانطلاق ، تتوق للتغريد.. للفرار للرفرفة ... لكل شئ حرمت منه منذ أن كانت طفلة صغيرة.. تتوق للهو .. تتوق للمرح.. تتوق للحب... .حتى الدخول في علاقات لا طائل من ورائهاتتوق له..وكأنما تريد أن تعيش كغجرية تسافر في أنحاء الدنيا.. بلا قيود  .. بلا أغلال .. تنطلق بخفة و رشاقة لا تستقر في مكان ولا زمان و لا علاقة.
لا تريد أن يربطها بالبشر سوى علاقات عابرة .. بلا عمق، مجرد وجوه و أسماء تمر في حياتها بلا مدلول أو معنى مجرد أشياء تحشو بها ذاكرتها فقط.. فهي لا تريد أن تجلس وحدها في حجرة داخل منزل محاطة بالحيطان من كل اتجاه تفكر فيما مضى.. تود لو تعيش مثل الطيور بلا ماض بلا مستقبل مجرد ايام تمضيها يوما بيوم بلا تفكير أو عناء..لا يطالبها أحد بشئ ولا تطالب أحدا بشئ..

و في نهاية عمرها.. يجدها  الناس جسدا ملقى على صفحة المياه بلا ملامح حتى لا يعرفه أحد مجرد جسد ملقى بلا دلالة.. فهي لا تريد أن تنطبع في ذاكرة أحد فتظل حبيستها..

غجرية أرادت أن تحيا بحرية.. تهوى الانطلاق.. حتى في موتها اختارت الانطلاق على صفحات الماء.. لأنها لا تحتمل أسوار الغير حولها.. غجرية.



                                                                                سنــــــــاء ابــــــــو النـــــــصر
                                                                                          18/11/1997   


أميرة القلوب

                     في الخيال شيدت لنفسها ألف قصر و قصر، توجت نفسها أميرة على القلوب و ملكة على العقول.
امتلأت خزائنها و حجرات قصورها بقلوب و قلوب و لكن لم يلج حجرتها أي منها... هامت حول حدائقها و أبراج قصورها عقول و عقول حاولت المروق عبر الممرات و النوافذ الى حجرتها و لكنها عجزت عن ادراكها .. فقد منحت نفسها لقلب و عقل و شخص واحد... بحثت عنه بين قلوبها.. فتشت عنه بين عقولها.. حلمت به و معه كثيرا، منحته كل ماتملك.. عاشت معه أجمل لحظات عمرها.. لحظات تختلط فيها اللذة بالألم و تكون قمة الارتياح في قمة العذاب .. لحظات يصعب وصفها و يستحيل وصف أثرها الذي يدغدغ روحها و يصل الى أعمق أعماق نفسها بل الى أعمق أعماق أصغر خلية من خلاياها .. انهارت لديها الحدود الفاصلة بين المشاعر لم تعد تستطيع التمييز بين مشاعرها نحوه هل تحبه أم تكرهه هل تفرح بلقائه أم تحزن.. أصبحت تبكي في قمة سعادتها و تضحك في قمة أحزانها.. انها تعشقه بجنون حتى الموت.. لم تعد تستطيع احتمال بعده عنها.. لم تعد تحتمل السعادة المستمدة من الخيال ، تمنت لو تحقق خيالها. لو أتاها ذلك الفارس الذي نسجت صورته في أحلامها..

آه لو أتاها .. يومها ستتخلى عن كل قصورها .. و تطلق صراح كل قلوبها .. وتنفض عنها كل العقول الهائمة حولها ستكون له وحده.. هو فقط من يستطيع الولوج الى حجرتها .. هو فقط من يستطيع مداعبه خصلات شعرها .. هو فقط من تستطيع أن تبكي و تضحك أمامه.. هو فقط من تستطيع أن تريح رأسها على كتفه.. هو فقط من يستطيع يراها في أشد لحظات ضعفها و احتياجها.. فهو فقط الذي استطاع أن يعزف على أوتار قيثارتها الهادئة لحنه الخاص جدا، الحالم جدا.. ليته يأتيها.. ليته يعلم كم تحترق شوقا للقياه ..

فتحت جميع أبواب قصورها و جميع النوافذ.. أطفأت جميع الأنوار و جلست في شرفتها ترنو الى القمر.. فهو الوحيد الذي يعلم سرها .. سألته طويلا أن يداعب قلبه أن يطبع صورتها في أحلامه.. أن يقض مضجعه و يجعله ينهب الطريق نهبا ، يسير في جميع الطرقات و الدروب باحثا عنها.. سألته أن يدله و يرشده.. أن يصحبه عبر الدروب المظلمة ينير له و يحرسه..

سألته أن يكون أول شاهد على أول لقاء.. أن يكون هو السراج الذي يضيء لها وجهه حتى تراه.. حتى تتلمسه بأناملها لتدرك كل ملمح فيه.. سألته أن يضفي عليها من بهائه.. سألته أن يضىء عينيها بنوره الفضي و أن ينعكس على خصلات شعرها اللامع فيزيده بريقا و جمالا..

سألته أشياء كثيرة كثيرة نسيتها الآن و لكنها لم تنس أبدا أنها لم تسأله أن يجعله لها وحدها.. و ها هي الآن تجلس أمام عشها الصغير تنتظر أن يعود اليها بعدما هجرها لأخرى و هي لازالت ترنو الى القمر.


                                                                       سنــــــــــــــــــاء أبو النـــــــــــــصر
                  
                6/11/1998

      


الجمعة، 3 يونيو 2011

لماذا ؟

"ماذا لو انفجر ذلك الرأس من كثرة ما يحوي و تناثرت الأفكار و انتشرت ؟.. و استطاع الناس التقاط ما يحلو لهم من أفكار و ذكريات و أحلام ؟" .. قالت تلك الكلمات و هي تشير إلى رأسها الصغير و عيناها تسبحان في الفضاء .. لم أعلم هل تسألني أم أنه حديث بينها و بين نفسها تحول من أفكار إلى كلمات منطوقة دون أن تشعر ..
كررت السؤال و هي تنظر إليّ بعينين غائمتين .. كأنهما من عالم آخر.. لكم أحببت هاتين العينين .. هادئتين.. حالمتين .. لا أستطيع وصف لونهما المتماهي بين درجات العسلي و الأخضر .. و لكنها في تلك المرة أضافت : " هل تظنين أن هناك من سيحتفظ بأي من تلك الأوراق التي تشغل رأسي و تسبب لي كل هذا القدر من الألم و الوحدة و الحيرة؟ أم أنهم سيلقون بها إلى قارعة الطريق مرة أخرى؟ هل تظنين أن أي من تلك الأشياء و الترهات داخل رأسي ذات فائدة أو أهمية؟"
كان صوتها يرن بنبرة حزينة محملة بغضب عميق عنيف .. أحسست به يجتاح كيانها .. كان الهواء يحمل إلىّ صوتها محملا بهدير أمواج البحر الذي كنا جالستين على رماله .. و مياهه تغمر أقدامنا الممددة تجاه الشمال آملة في أن يحملنا البحر إلى شاطئه الآخر عل كل من تجد ضالتها في هذا العالم المختلف و الجديد بالنسبة لكلينا.
نظرت إليها غير قادرة على الإجابة .. فقد كنتُ لازلتُ حائرة هل هي حقا تحدثني أم أنها تائهة في أحد أحاديثها إلى نفسها التي لا تنتهي منذ عرفتها .. في العادة تشرد صامتة .. و تفصح قسمات وجهها عما يدور بداخلها بين ابتسام و بكاء و حيرة و حزن .. و حين ينتهي الحوار الصامت بينها و بينها تنظر إليّ و على شفتيها ابتسامة تصارع البكاء .. ثم تضحك بصوت عالٍ و تقول لي :" عليكي بإيه من مصاحبة مجنونة زيي ؟ "  و حينا تقص لي بعضا مما يحزنها أو يفرحها أو يشغل بالها و أحايينا تنطلق في الحديث عن آخر فيلم شاهدته أو ماذا فعل زملاؤها في العمل اليوم أو أي من تلك الأمور التي أعلم أنها ليست بتلك الأهمية بالنسبة لها .. أما ما يحدث اليوم فلا أعرف كيف أتعامل معه هل هي حقا تسألني؟
حين طال صمتي ناظرة إليها .. احتدت ملامح وجهها و صرخت فيّ : " ماذا بك؟ لم لا تجيبينني؟ هل أنت أيضا ترين أن ما يثقل رأسي من أفكار ليس سوى ترهات لا معنى لها؟ هل أنت أيضا تعتقدين أنّني بلا هموم .. و أنني مجرد شخصية اكتئابية عبثية ضائعة ؟ .. انطقي .. قولي أي شئ؟"
أصابني الذهول .. إعتدتها انسانة هادئة الطباع .. لم ترفع صوتها أبدا من قبل بهذا الشكل و لم تنطلق الكلمات من فمها أبدا بتلك المرارة و تلك القسوة الغاضبة .. لا أنكر أنني شعرت بشئ من الخوف الممزوج بالشفقة عليها .. مددت يدي لأربت على كتفها علها تهدأ قليلا .. أزاحت يدي بعصبية شديدة و صرخت لا تلمسيني .. لا أريد ليد أن تلمسني .. لا أريد لبشر أن يقترب مني .. كلكم ملوثون .. كلكم مرضى .. كلكم تظهرون خلاف ما تضمرون .. أكرهكم جميعا .. أكرهكم
لم لا يقول لي أيكم لم يريد الاحتفاظ بي رغم أنكم جميعا تظنونني مجنونة .. لم تريدونني في محيط حياتكم أيها العقلاء؟ هل حقا تظنون أنني بحاجة إلى تلك الرعاية الزائفة ؟ تبا لكم جميعا ..
انتفضت من مكانها مبتعدة عني ميممة نحو الغرب كأنما تسير مع سير الشمس لتنتهي مثلها ثم تعاود الشروق في صباح اليوم التالي كانت تتمتم بكلمات متسارعة لم أفسر أي منها ..
لم تسمح لي بعد هذا اليوم أن أراها .. و لم تجب اتصالاتي إلا نادرا .. حيرتني في كل أحوالها و لكنني أبدا لم أظنها مجنونة .. و رغم ذلك خسرتها إلى الأبد.

الأحد، 29 مايو 2011

صورتك


فتشت طويلا أبحث عن صورة لك في أوراق ذكرياتي .. تخيل ؟! لم أجد لك سوى صوره واحدة.. و لكنها تغنيني عن كل الصور.. فهي صورة لا يحبسها إطار و لا ورق .. انما هي صورة من لحم و دم .. فهي محفورة في قلبي ..
صوره ألونها بألوان الربيع .. فأراك ضاحكا و أراك مرحا و أراك مقبلا و متفائلا . أراك كالفراشات تحلق عاليا و تتلون بألوان زاهية .. أراك أنيقا و متعطرا بالزهور .. أحسك كنسمة عبير تلامس صفحة وجهي فينتعش و يصبح نضرا كأوراق الزهور .. تلون خدودي بحمرة الورود و عيوني بزرقة المياه و شفاهي بلون الكرز اللامع .. أشعر أني شهية كفاكهة في بستان يانع..
أما صورة الصيف، فهي مضيئة بأشعة الشمس المنعكسة على عينيك سابرة بعضا من أغوار نفسك دون بعض .. كاسية جسدك بلون البرونز الذي يزيده سحرا لحيتك المهملة و ملابسك التي اكتسبت لونها من لون البحر .. تمرر أصابعك بحنان و انسياب بين خصلات شعري كأنها نسمات تداعبه .. و تطبع قبلة على شفتي فتصبغهما بحمرة التوت .. أشعر أني مراهقة تتحسس خطواتها على عتبات النضوج.
و صورة ألونها بألوان الخريف .. و مع ذلك لا تبعث في نفسي الحزن أو الكآبة بالعكس فهي تبعث في نفسي إحساسا عميقا بالمهابة و الوقار .. البني لعينيك .. و الرمادي و الأصفر لملابسك .. أما بشرتك فبيضاء .. و عودك كجذوع الشجر شامخ أمام الرياح .. هامتك عالية وضّاءة رغم الغيوم التي تلوح في السماء .. رغم الكَدَر الذي ينتشر في الهواء .. ترتسم على وجهك ابتسامة هادئة مطمئنة و تملأ عينيك نظرة كأنها تستشرف الغد فترى الربيع القادم ..
تنظر الى عينيّ و تحيطني بذراعيك .. تلون شعري بلون الكستناء .. و شفاهي بلون القرنفل القاني .. أشعر أني ناضجة..
و حين يأتي الشتاء ببرده القارس و سمائه الداكنة ذات الغيوم .. يزداد بريق عينيك .. و تلسع برودة الهواء وجهك فتصبغ أنفك و خداك بحمرة تبعث الدفء في نفسي .. أقترب منك فأشم عبقا يشبه رائحة الهواء الذي دفأته شمس الشتاء بعد المطر.. رائحة نقية تمتزج فيها البرودة بالدفء .. تهمس في أذني "أحبك" .. أشعر أني كالأرض العطشى ساعة تلامسها حبات المطر .. أُنبت و أُثمر .. أشعر أني الملكة المتوجة على عرش قلبك فأطمئن.

هكذا رسمتك و حفرت صورتك في قلبي .. فاستدفأت و اطمأننت و مارست مشاغبات الأطفال و مكرهم و استمتعت بهدوء الكبار و نزقهم .. و شعرت أني امرأة....

أنا .. و المطر .. و أنت

يتملكني شعور غريب .. شعور بين الهدوء و الحزن و الرغبة في إطالة الصمت .. و أحيانا البكاء ..
يذكرني البكاء بالمطر .. فبعد البكاء الشديد تأتي راحة أشبه بهذا الهدوء الذي يتلو لحظات المطر الشديد.
لكم أحب المطر و أحب رائحة الهواء أثناء المطر و بعده .. يا الله .. أشعر أنه يتوغل إلى داخل ذرات نفسي و خلايا دمي فيحيل حزني هدوءا .. و غضبي مرحا .. و نزقي ابداعا .. تذكرني تلك الأحاسيس بسحر أنفاسك حين أتنفسها ..  تدخل الى رئتي فتحيل الظلام نورا .. و تجذب النوم الهادئ الى جفوني .. أضع رأسي على صدرك العريض و أداعب بيدي شعيراته الكثيفة و أتمنى لو بقيت هاهنا الى الأبد .. تمنيت أن أستمع لصوت نبضات قلبك و أنت تحتضنني و لكن الغريب أنها لم تكن هناك و لو لمرة واحدة.. هل حقا  تحبني كما تقول؟ لا أظن .. أظنك فقط أحببت ابتسامتي الفرحة الخجلى كلما أطلت النظر إلى وجهي أو أطريت عليّ بكلام جميل .. أظنك فقط أحببت هذا الحب الجارف الذي يطل من عينيّ نحوك .. أظنني فقط أشعرتك بذلك الامتلاء الذكوري و بأنك قادر على أن تؤثر في امرأة و تجعل حياتها كلها تدور في فلكك .. نعم هكذا كنتُ .. كنتُ كوكبا يدور حول نجمه المضئ .
أتعرف  أنك كنت نافذتي لأطل على ما حولي و من حولي؟ أتعرف أنك كنت الحلم الجميل الذي تكتحل به جفوني في النوم؟ أظنك تذكر كم هاتفتك لتكون أول صوت أسمعه حين أصحو و آخر صوت أسمعه عند نومي .. يااااه .. لا زلت أذكر شعوري عند سماع صوتك عبر الهاتف يدللني و يداعبني .. و أذكر أيضا أن هذا كان في الأيام الأُوَل .. و آآآآآه من الأيام الأول.
أحببتك كما تحب أمرأة رجلأ .. أحببتك و جعلتك كل شخص حولي .. كنت حبيبي .. و صديقي و صاحبي و أبي و أخي .. كنت كل شئ لي .. و لكن يبدو أنك لم تحب من هذه الأدوار إلا دورا واحدا .. الصديق .. و ارتضيت أن تكون مثلهم جميعا .. فكلهم كانوا يفضلونني صديقة .. لا أحد منهم امتلك الجرأة ليعبر أسوار القصر و يخطفني .. الفارق بينك و بينهم أنك لم تكن بحاجة لعبور الأسوار فقد فتحت لك كل الأبواب .. من أيها شئت ولجت ..
أتعرف؟ بعد أن مرت تلك السنون منذ افترقنا.. لم أبرأ بعد من الجرح .. لا زالت عيناي تذرفان الدمع كلما ذكرتك .. لا زال المطر يذكرني ببكائي بين يديك .. لا زالت رائحة الهواء النقي الدافئ المبلل بعد المطر تذكرني بأنفاسك .. أيها الرجل أما تملك قلبا؟ كيف لم تشعر بكل هذا الحب .. كيف لم تشعر بي كامرأة .. أنا التي ما كنت امرأة إلا معك .. أنا من أتقنت فنون الحب و الغنج و العشق و خبأتها لأجلك أنت و مارستها معك أنت .. كيف تمكنت من تجاهل ابتسامتي الخجلى و بريق عيني الحيي الغنج حين تغمرني بتلك النظرة التي لا ينظرها إلا رجل لامرأة ..
أخبرني كيف هي الحياة بغيري؟ أخبرني كيف هو الصباح بدون ابتسامتي؟ أخبرني كيف هو النوم بغير دلالي و غنجي و همسي في أذنيك .. أحبك ..
أتعرف؟ من أجلك أنت نظرت في وجوه ما كنت لأنظر إليها أبدا .. من أجلك أنت أرقتُ ماء وجهي .. من أجلك أنت خضت حروبا أثخنتني جراحا و ألما .. من أجلك أنت طفت الدروب و الوديان و الجبال .. تمنيت فقط أن أري السعادة على وجهك أن أري عينيك الزجاجيتين تضحكان بحنو .. كنت طفلة تمارس لعب الأطفال بين يديك و تتمنى أن تضمها إلى صدرك و تبتسم في وجهها ابتسامة رضاً و لكنك أبيت .. استنفدت كل حيلي و قهرت براعة الأنثى بداخلي .. جردتني من أنوثتي .. لم أكن لك سوى الصديق الذي تعلم جيدا أنه لن يخذلك .. و أنك مهما قصرت في حقه فلن يعذلك .. واهٍ لأنانيتك يا رجل .. واهٍ للألم الذي ما زال يحرِّق ضلوعي .. أما أشفقت عليَّ؟
لكم هو قاس قلبك .. و لكم هي جامدة ملامحك .. و لكم هي زجاجية عيناك .. و لكم كنت ساذَجة حين ظننت أن بكائي أو صراخي أو حتى موتي بين يديك سيشعرك أنني محمومة بحبك و أن دوائي هو أنت ..
لا أملك سوى كلمات أخطها على ورق لن يصلك منه حرف واحد .. فلن نجتمع أنا و أنت أبدا إلا على الورق.