السبت، 19 سبتمبر 2015

أمنية مشروعة غير محققة

كان الاستيقاظ على صوته لخمسة أيام ممتابعة إيذانا بموعد اللقاء الصباحي المرتقب أمرا يملؤها بخليط من المشاعر المتداخلة، و لكنها كانت تعرف أنها سعيدة بذلك الصوت الباسم المنساب إلى أذنها  ملقيا تحية الصباح، مؤكدا على استيقاظها و استعدادها لبدء اليوم الجديد معه.

أحبت التجربة و أحبت مشاركته إياها لها، خمسة أيام كان عمر تلك التجربة القصيرة. صديقان هم، و قررا أن يحتفلا بمرور عشر سنوات على تلك الصداقة التي بدأت ككل صداقاتها في لقاء مجمع. شيئ ما دفعها للكلام معه، ربما كان يريد هو أيضا أن يتحدث إليها و لكنه آثر ألا يعرض نفسه لحرج رفض محتمل.
أمضيا عشر سنوات من عمرهما معا، يحكيان و يضحكان و يبكيان و يتبادلان الأفكار و التساؤلات و التجارب و القلق و كل ما هو إنساني. لم يفكرا يوما في عد السنوات التي جمعتهما، و لكن خاطرة عبرت رأسها جعلتها تسأله، هل تعرف كم مر على صداقتنا من سنوات؟ أجابها: عشر سنوات و ابتسم ثم استطرد: و هذا أمر جدير بالاحتفال .. ابتسمت بدورها و قالت: واحد تارت فواكه و زجاجة بيبسي كبيرة . أجابها: لا، و اتسعت ابتسامته و أضاءت عيناه بفكرة بدت لها مجنونة، سنسافر سويا إلى سيناء، سنحجز في رحلة الأسبوع القادم .. لكم وددت لو سافرنا سويا، فأنا استمتع بالسفر و أستمتع بصحبتك. ضحكت و هي تقول: أنت مجنون .. لن أتمكن من الحصول على أجازة من عملي. قال بحزم: سأقابلك يوم الثلاثاء القادم عند الاستاد، سيتحرك الأتوبيس من هناك.
ترددت كثيرا قبل أن تحسم أمرها بخوض غمار التجربة، هي تحب سيناء و تحب السفر و تحب صحبته، فهل ستفوت مثل هذه المتعة لأنها مترددة في السفر معه؟ هما بالكاد يفترقان فلم لا تسافر معه؟

استمتعت كثيرا بالرحلة و لكنها لم يخطر لها أبدا أن سماع صوته صباحا بشكل يومي، ليطمئن أنها استيقظت ليبدءا مغامرة جديدة، سيشكل لديها فارقا كبيرا لهذا الحد. كانت لا تغادر حجرتها حتى يهاتفها بصوته الضاحك و يلقي عليها تحية الصباح.

انتهت الأيام الخمس، كانت سعيدة جدا و يملؤها إحساس أنها شخص جديد. و كذلك كان هو مشرق، متجدد، سعيد. حينما افترقا عند عودتهما، كان يغمرها إحساس أو ربما أمنية أن علاقتهما ستأخذ منحنى مختلف. منحنى لم يخطر لها لعشر سنوات أمضتها معه. فهي لأول مرة تشعر أنها تحتاجه بشكل أكبر، أنها تحب أن تستيقظ كل صباح لترى ابتسامته و تسمع صوته وهو يقول لها "صباح الخير".
مر يوم و يومان و أسبوع و شهر و أكثر، لم يهاتفها و لو لمرة واحدة، كان يكتفي برسائلهما على واتساب و مقابلاتهما كلما سمح وقته و وقتها. تماما كما كانت العادة قبل تلك المغامرة. شعرت بشيء من الإحباط يخالطه غضب.. و لكنها لم تصرح له أبدا بذلك، فهي لا تفهم سر غضبها هذا فكيف ستبرره له.
أرسلت له أنها منشغلة كثيرا و أنها ستضطر للبعد عن كل وسائل الاتصال لأن لديها أعمالا متأخرة عليها أن تنجزها و أنها ستكلمه حينما تنتهي من تلك المشاغل. رأى الرسالة و لم يجب .. أغلقت الهاتف.
مر أسبوعان اتخذت فيهما مائة مائة قرار متناقضين، و لم تنفذ أيا منهم. و لكنها قررت السفر إلى سيناء مرة أخرى وحدها. و فعلت .. أمضت خمسة أيام وحدها .. ذهبت إلى كل مكان ذهباه سويا، و حاولت أن تبني ذكرى جديدة من دونه، أن تستيقظ كل صباح و لا تنتظر أن يدق هاتفها و أن ينساب صوته إلى أذنيها بصباح الخير المبتسمة. حينما انتهت الخمسة أيام عرفت أنها لم تتخلص من الأمنية و لم تتخلص منه. و لكنها تخلصت من غضبها و إحباطها.

و في صباح اليوم التالي كانت أول رسالة له .. "صباح الخير.. هل سأراك اليوم؟" و استمرت رسائلهما النصية و لقاءاتهما المتكررة. حاول كثيرا أن يعرف سرغيابها و سر نحولها بعد هذا الغياب فكان الجواب دائما .. النحافة صحة و جمال، نيولوك و تتبعها بضحكة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق