الخميس، 30 يونيو 2011

هدية القمر

كان القمر هلالا حين اصطحبها في تلك الرحلة التي لن تنساها.. داعب شعاعه الفضي عينيها وهي نائمة ..فركت عينيها و خرجت الى الشرفة لتجده في انتظارها يدعوها لرحلة على منحناه المضيء .. و قبلت.. تجولت بين النجوم .. داعبت السحب بأطراف أصابعها.. شعرت أنها طفلة لم تتجاوز الخامسة كانت تضحك حتى تنقلب على ظهرها .. ما عادت تخشى صوت الضحكات (فممنوع على الأرض أن تضحك فتاة مهذبة بصوت عال) ضحكت ملء حنجرتها و فلبها و كل أنملة فيها.  كانت تضحك و تهتز و تضرب كفا بكف ... تداعب النجوم ، تضحك لبعضها و تخرج لسانها محركة يديها خلف أذنيها للبعض الآخر..

            اهتز الهلال قليلا منبها اياها الى خطورة ما تفعل فهي معلقة في الهواء وقد تسقط في أي لحظة نتيجة لهذا التهور، اعتدلت في جلستها و انتبهت لأول مرة منذ بدء الرحلة أنها يمكنها مشاهدة أهل الأرض ، أنها يمكنها أن تطلع على كثير من الأسرار و الأخبار أنها وقعت على كنز لا ينتهي من الحكايات .. اجتذب سمعها صوت ما.. ألقت أذنها الى حيث يأتي الصوت و لكنها اكتشفت أن الصوت أصبح أصواتا تأتي من كل أنحاء الكرة المتموجة أسفلها.. انها آهات العشاق.. تتصاعد حتى النجوم تشهدها على ما تحمله القلوب من وله.
 رغم بعد المسافات بينهما رغم الأبواب المغلقة تحول دون لقائهما الا أن كل حبيبين يتلاقيان.. شاهدت في تلك الليلة أبدع مشهد قد تقع عليه عين .. رأت قلوب المتحابين تتصاعد الى السماء كأنها الفراشات المضيئة تطير متتابعة و تتجمع في ثنائيات راقصة حتى تلامس السحب و هناك تستقر قلبا و قلبا.. يتناجيان .. يتعاتبان .. يتعانقان.. يتبادلان كلمات الحب .. أو حتى القبلات .. كلها أمور مشروعة في تلك الرحلة.. دققت النظر في كل القلوب و لكن أين قلبها؟ لم لا تراه بين تلك القلوب ؟ رغم أنها ترى قلوبا منذ بدء الخليقة و قلوبا لم يخلق أصحابها بعد.. قلوب من عصور فاتت و أخرى من عصور قادمة.. كلها تتهامس تتواصل.. يدفئ أحدها الآخر يمنح كل منهما الأمان و السعادة و الحب للآخر .. الا قلبها أين هو في ذلك الربيع المزهر بالقلوب؟

نظرت للهلال متسائلة فأشاح بوجهه ليداري دمعة فرت منه و لكنها شعرت بدفئها حين امتدت يدها لوجهه........... أدركت أنها ستظل وحيدة .. بلا قلب تناجيه و يناجيها .. بلا عيون تنظر اليها فتنسى الدنيا و ما بها لتبحر فيهما.. علمت الآن فقط لم اختارها هي بالذات لتلك الرحلة.. كأنما هي محاولة لتعويضها عن تلك الوحدة اللامنتهية التي ستعيشها أراد أن يريها ما لن يستطيع بشر سواها رؤيته ولا حتى تخيله.. تحدرت من عينيها دمعة فدمعة فدمعة .. حاولت أن تمنع الدموع بابتسامة مرتعشة و لكن الابتسامة تحولت الى نشيج طويل يؤلم قلبها.. حاول الهلال مداعبتها و لكنه لم يقو على مقاومة البكاء هو أيضا.. احتضنها، ربت عليها ، ضمها اليه بشدة .. شعر بنبض قلبها المتعالي سمع تلك الآهة المكتومة بداخلها.. لم يدر ماذا يفعل لها .. هل يهبها قلبا؟  و لكن أين هو ذلك القلب؟ هل يهبها قلبه؟ و لكن ماذا ستفعل هي بتلك الصخور الناتئة ؟




سألها: هل تحب أن تعود هزت رأسها في حضنه بالنفي .. رفع رأسها عن صدره ونظر الى عينيها المغرورقة بالدموع فرأى انعكاس شعاعه الفضي داخل عينيها الجميلتين. ! يالهما من عينين.. تساءل بداخله كيف يستطيع المرء مقاومة ذلك السحر المختبئ بداخلهما؟ تبا لكم أيها الآدميون!..
 سألها: هل تود أن تصبح نجمة في السماء تضيء فقط كلما جاد الزمان بالوصل على عاشقين؟ .. مسحت دموعها ونظرت اليه و قالت: كلا .. أريد أن أصبح نجمة ترشد قلوب العشاق الى بعضها البعض أريد أن أداعب البشر في أحلامهم أن أدغدغ مشاعرهم الرقيقة بصور أحبابهم .. أن أدفع كل حبيب في طريق حبيبه .. حتى تتلاقي كل القلوب و لا يبقى قلب وحيد ..


ابتسم القمر بسمة حزينة.. ثم قال : يمكنك أن تصبحي الالهام لقلوب العشاق و لكنك أبدا لن تستطيعي
أن تجدي لكل قلب قلبا ولا أن تضمني السعادة لتلك القلوب.. دائما ستكون هناك قلوبا وحيدة بلا مؤنس وقلوبا وحيدة رغم أن لها مؤنسا. و هؤلاء و أولئك بحاجة الى من يواسيهم و يشجعهم على مواصلة الحياة دون النظر الى تلك النقطة المظلمة في حياتهم.

فهمت عنه ما أراد و لكنها صمتت.. أراحت رأسها مرة أخرى على صدره ثم تنهدت تنهيدة طويلة و قالت: أعدني اذن الى حيث كنت و لكن أستحلفك بتلك الليلة و بكل ما رأيناه و سمعناه سويا ألا تتركني لوحدتي تنهش في روحي و تأكل أيامي يوما بعد يوم .. أن تكون معي كلما شعرت بالوحشة أو بالغربة أو بأي شعور قد يقودني الى حيث النهاية الأليمة. كن معي ...............................

ضمها بشدة و هو آخذ في الهبوط و حين وصل الى شرفتها سارعت بالهبوط .. كانت تريد أن تدفن رأسها في الفراش و بين الوسائد أن تغمض عينيها الى درجة ألا ترى شيئا مما حدث هناك مرة أخرى.
 لكم هي بحاجة الى صدرمحب يضمها و الى أنامل حانية تربت عليها و تداعب شعرها.. و لكن هيهات فالآن مات ذلك الأمل………………..


                                                     سناء أبو النصر
                       
                                                    15/07/2002


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق