الجمعة، 3 يونيو 2011

لماذا ؟

"ماذا لو انفجر ذلك الرأس من كثرة ما يحوي و تناثرت الأفكار و انتشرت ؟.. و استطاع الناس التقاط ما يحلو لهم من أفكار و ذكريات و أحلام ؟" .. قالت تلك الكلمات و هي تشير إلى رأسها الصغير و عيناها تسبحان في الفضاء .. لم أعلم هل تسألني أم أنه حديث بينها و بين نفسها تحول من أفكار إلى كلمات منطوقة دون أن تشعر ..
كررت السؤال و هي تنظر إليّ بعينين غائمتين .. كأنهما من عالم آخر.. لكم أحببت هاتين العينين .. هادئتين.. حالمتين .. لا أستطيع وصف لونهما المتماهي بين درجات العسلي و الأخضر .. و لكنها في تلك المرة أضافت : " هل تظنين أن هناك من سيحتفظ بأي من تلك الأوراق التي تشغل رأسي و تسبب لي كل هذا القدر من الألم و الوحدة و الحيرة؟ أم أنهم سيلقون بها إلى قارعة الطريق مرة أخرى؟ هل تظنين أن أي من تلك الأشياء و الترهات داخل رأسي ذات فائدة أو أهمية؟"
كان صوتها يرن بنبرة حزينة محملة بغضب عميق عنيف .. أحسست به يجتاح كيانها .. كان الهواء يحمل إلىّ صوتها محملا بهدير أمواج البحر الذي كنا جالستين على رماله .. و مياهه تغمر أقدامنا الممددة تجاه الشمال آملة في أن يحملنا البحر إلى شاطئه الآخر عل كل من تجد ضالتها في هذا العالم المختلف و الجديد بالنسبة لكلينا.
نظرت إليها غير قادرة على الإجابة .. فقد كنتُ لازلتُ حائرة هل هي حقا تحدثني أم أنها تائهة في أحد أحاديثها إلى نفسها التي لا تنتهي منذ عرفتها .. في العادة تشرد صامتة .. و تفصح قسمات وجهها عما يدور بداخلها بين ابتسام و بكاء و حيرة و حزن .. و حين ينتهي الحوار الصامت بينها و بينها تنظر إليّ و على شفتيها ابتسامة تصارع البكاء .. ثم تضحك بصوت عالٍ و تقول لي :" عليكي بإيه من مصاحبة مجنونة زيي ؟ "  و حينا تقص لي بعضا مما يحزنها أو يفرحها أو يشغل بالها و أحايينا تنطلق في الحديث عن آخر فيلم شاهدته أو ماذا فعل زملاؤها في العمل اليوم أو أي من تلك الأمور التي أعلم أنها ليست بتلك الأهمية بالنسبة لها .. أما ما يحدث اليوم فلا أعرف كيف أتعامل معه هل هي حقا تسألني؟
حين طال صمتي ناظرة إليها .. احتدت ملامح وجهها و صرخت فيّ : " ماذا بك؟ لم لا تجيبينني؟ هل أنت أيضا ترين أن ما يثقل رأسي من أفكار ليس سوى ترهات لا معنى لها؟ هل أنت أيضا تعتقدين أنّني بلا هموم .. و أنني مجرد شخصية اكتئابية عبثية ضائعة ؟ .. انطقي .. قولي أي شئ؟"
أصابني الذهول .. إعتدتها انسانة هادئة الطباع .. لم ترفع صوتها أبدا من قبل بهذا الشكل و لم تنطلق الكلمات من فمها أبدا بتلك المرارة و تلك القسوة الغاضبة .. لا أنكر أنني شعرت بشئ من الخوف الممزوج بالشفقة عليها .. مددت يدي لأربت على كتفها علها تهدأ قليلا .. أزاحت يدي بعصبية شديدة و صرخت لا تلمسيني .. لا أريد ليد أن تلمسني .. لا أريد لبشر أن يقترب مني .. كلكم ملوثون .. كلكم مرضى .. كلكم تظهرون خلاف ما تضمرون .. أكرهكم جميعا .. أكرهكم
لم لا يقول لي أيكم لم يريد الاحتفاظ بي رغم أنكم جميعا تظنونني مجنونة .. لم تريدونني في محيط حياتكم أيها العقلاء؟ هل حقا تظنون أنني بحاجة إلى تلك الرعاية الزائفة ؟ تبا لكم جميعا ..
انتفضت من مكانها مبتعدة عني ميممة نحو الغرب كأنما تسير مع سير الشمس لتنتهي مثلها ثم تعاود الشروق في صباح اليوم التالي كانت تتمتم بكلمات متسارعة لم أفسر أي منها ..
لم تسمح لي بعد هذا اليوم أن أراها .. و لم تجب اتصالاتي إلا نادرا .. حيرتني في كل أحوالها و لكنني أبدا لم أظنها مجنونة .. و رغم ذلك خسرتها إلى الأبد.

هناك 8 تعليقات:

  1. بداخل كل واحد مننا فيه نفس الشخصية المجنونة دى , و نفس الاسئلة , بس انتى يا سناء بتخلينى اشوفها و اضحك بينى و بين نفسى و اقول دى بتتكلم عنى , و ارجع و اقول لا دى بتتكلم عن فلان , و فى الاخر بلاقى نفسى انى كنت فى رحلة جوة النفس البشرية اخدتينى ليها بسلاسة و عمق فى نفس الوقت
    رشا فتحى

    ردحذف
  2. حقا يا رشا تعجز كلماتي عن وصف سعادتي بتشجيعك الدائم لي .. ربنا يحفظك و يبارك فيكي يا رب .. و يعطيني القدرة على رد جميلك

    ردحذف
  3. مش عايز أكون بكرر تعليقاتي , بس دي حقيقه لا يمكن إغفالها هي قدرتك علي كتابه صور نعم صور و ليس مجرد كتابات هذه الصور المشخصه التي لازلت أتخيلها و أنا أقرأ ما تكتبيه , فعلا أنت موهوبه دي حقيقه و ليست مجامله , بس إبقي إفتكرينا لما تبقي مشهوره , و إلي المزيد إن شاء الله .

    ردحذف
  4. مش عايز أكون بكرر تعليقاتي , بس دي حقيقه لا يمكن إغفالها هي قدرتك علي كتابه صور نعم صور و ليس مجرد كتابات هذه الصور المشخصه التي لازلت أتخيلها و أنا أقرأ ما تكتبيه , فعلا أنت موهوبه دي حقيقه و ليست مجامله , بس إبقي إفتكرينا لما تبقي مشهوره , و إلي المزيد إن شاء الله .

    خالد عبد العليم

    ردحذف
  5. حنان سليمان3 يونيو 2011 في 4:11 م

    وصف دقيق لكل ما يدور بنفسنا يا سناء دايما رائعه ومتألقه بوصفك واحاسيسك . نرجو المزيد لكى نغوص فى انفسنا اكثر واكثر

    ردحذف
  6. خالد : أنا عرفت تعليقك بدون توقيع على فكرة .. ألف شكر ليك انت مش بتكرر تعليقك و لا حاجة .. أنا بجد بابقى سعيدة لما باقرأ تعليقات كل أصدقائي حتى لو بيقولوا نفس الكلام

    حنونة: ربنا يخليكي ليه يا رب يا حبيبتي و دعواتك معايا لأن استمراري في الكتابة بالنسبة لي يشبه الاستمرار في الحياة

    ردحذف
  7. سناء نجحت ببراعة في نقلي الي شاطيء البحر ونجحت ايضا في جعلي ابكي متوحدة مع البطلة علي فراق صديقتها صورة نفسية رائعة
    امنية

    ردحذف
  8. :)أمنية أسعدتيني جدا بتعليقك :)

    ردحذف