فتشت طويلا أبحث عن صورة لك في أوراق ذكرياتي .. تخيل ؟! لم أجد لك سوى صوره واحدة.. و لكنها تغنيني عن كل الصور.. فهي صورة لا يحبسها إطار و لا ورق .. انما هي صورة من لحم و دم .. فهي محفورة في قلبي ..
صوره ألونها بألوان الربيع .. فأراك ضاحكا و أراك مرحا و أراك مقبلا و متفائلا . أراك كالفراشات تحلق عاليا و تتلون بألوان زاهية .. أراك أنيقا و متعطرا بالزهور .. أحسك كنسمة عبير تلامس صفحة وجهي فينتعش و يصبح نضرا كأوراق الزهور .. تلون خدودي بحمرة الورود و عيوني بزرقة المياه و شفاهي بلون الكرز اللامع .. أشعر أني شهية كفاكهة في بستان يانع..
أما صورة الصيف، فهي مضيئة بأشعة الشمس المنعكسة على عينيك سابرة بعضا من أغوار نفسك دون بعض .. كاسية جسدك بلون البرونز الذي يزيده سحرا لحيتك المهملة و ملابسك التي اكتسبت لونها من لون البحر .. تمرر أصابعك بحنان و انسياب بين خصلات شعري كأنها نسمات تداعبه .. و تطبع قبلة على شفتي فتصبغهما بحمرة التوت .. أشعر أني مراهقة تتحسس خطواتها على عتبات النضوج.
و صورة ألونها بألوان الخريف .. و مع ذلك لا تبعث في نفسي الحزن أو الكآبة بالعكس فهي تبعث في نفسي إحساسا عميقا بالمهابة و الوقار .. البني لعينيك .. و الرمادي و الأصفر لملابسك .. أما بشرتك فبيضاء .. و عودك كجذوع الشجر شامخ أمام الرياح .. هامتك عالية وضّاءة رغم الغيوم التي تلوح في السماء .. رغم الكَدَر الذي ينتشر في الهواء .. ترتسم على وجهك ابتسامة هادئة مطمئنة و تملأ عينيك نظرة كأنها تستشرف الغد فترى الربيع القادم ..
تنظر الى عينيّ و تحيطني بذراعيك .. تلون شعري بلون الكستناء .. و شفاهي بلون القرنفل القاني .. أشعر أني ناضجة..
و حين يأتي الشتاء ببرده القارس و سمائه الداكنة ذات الغيوم .. يزداد بريق عينيك .. و تلسع برودة الهواء وجهك فتصبغ أنفك و خداك بحمرة تبعث الدفء في نفسي .. أقترب منك فأشم عبقا يشبه رائحة الهواء الذي دفأته شمس الشتاء بعد المطر.. رائحة نقية تمتزج فيها البرودة بالدفء .. تهمس في أذني "أحبك" .. أشعر أني كالأرض العطشى ساعة تلامسها حبات المطر .. أُنبت و أُثمر .. أشعر أني الملكة المتوجة على عرش قلبك فأطمئن.
هكذا رسمتك و حفرت صورتك في قلبي .. فاستدفأت و اطمأننت و مارست مشاغبات الأطفال و مكرهم و استمتعت بهدوء الكبار و نزقهم .. و شعرت أني امرأة....