الجمعة، 11 أبريل 2014

الجيتوهات الجديدة

الجيتو هو اسم يُطْلَق على الأحياء التي تسكنها قلة مهمشة ، و هو الاسم الذي اشتهرت به أحياء اليهود في أوروبا حيث كانت تلك الأحياء كأنها معازل بلا أسوار يعيش بداخلها اليهود منعزلين عن باقي المجتمع لأن أوروبا المسيحية في ذاك الوقت كانت تعتبرهم غرباء لأنهم غير مسيحيين.

في أيامنا هذه يظهر نوع جديد من الجيتوهات و لكن جيتوهات هذا العصر هي جيتوهات اختيارية ، جيتوهات مرفهة تعيش بداخلها طبقات معينة من المجتمع بمعزل عن باقي أفراد المجتمع، و غالبا ما تحوي هذه الجيتوهات الجديدة مدارس و نوادي و أسواق و حدائق و أماكن ترفيه و مطاعم تخص فقط سكان المكان.

الجيتوهات الحديثة تُنفق عليها ملايين و تُنفَقُ الملايين لسُكْناها، و يُعْلَنُ عنها في وسائل الإعلام المختلفة بكثافة شديدة و بخطاب طبقي مُغرِقٌ في الطبقية.

الجيتوهات الجديدة أو الكومباوندات -كما يحب أصحابها تسميتها - هي مجتمعات صغيرة داخل المجتمع الكبير تنفصل عنه  و تتحول إلى كيانات مستقلة تدريجيا، و مع الوقت يصبح سكان هذه الكومباوندات أقل انتماء لمجتمعهم الكبير و أكثر انتماء لمجتمعهم الصغير الذي يسكنه أشخاص من نفس المستوى المادي و غالبا نفس مستوى التعليم و الوظائف أيضا. أغلب سكان هذه الجيتوهات الاختيارية المرفهة يبحثون عن مجتمع لا يشبه المجتمع المصري في شيء، يبحثون عن مجتمع نخبوي (Elite) يغتربون فيه عن المجتمع الأكبر و يصيرون أكثر شبها بالمجتمع الأمريكي و ربما بعض المجتمعات الأوروبية.

هذا الانفصال و الابتعاد عن المجتمع الأكبر يؤدي مع الوقت إلى إغتراب هؤلاء السكان عن مجتمعهم الأكبر و بعدهم عن مشكلاته. فتصبح مشكلات المجتمع الأكبر بالنسبة لهم مشكلات في دول أخرى ، فهم غالبا لن يعودوا يعانون من المشكلات المرورية إلا إذا اضطرتهم الظروف لخوض مخاطرة القيادة إلى وسط البلد حيث الزحام و العوادم ، و لن يشعروا بتردي مستوى التعليم لأن أولادهم في مدارس انتناشيونال مقامة خصيصا داخل الكومباوند، و لن يشعروا بنقص الزيت و السكر و الأرز المدعوم للفقراء لأنهم لن يروهم و لأنهم لا يتعاملون إلا مع الهابرماركتس الموجودة داخل الكومباوند و لأن أغلبهم لديهم خادمات فلبينيات أو أندونيسيات أو نيجيريات فهم لا يرون من المجتمع سوى أشباههم المقيمين معهم في نفس المكان.

و نظرا لأن أطفال هذه المعازل سيكونون بالطبع على مستوى عال من التعليم و سيكون لدى أسرهم علاقات اجتماعية جيدة و غالبا ستكون إقامة بعض الوزراء إلى جوارهم فغالبا سيكون لبعض من هؤلاء الأولاد يوما ما مكانا داخل دوائر صنع القرار في الدولة، ما يعني أن مشكلات المجتمع الأكبر التي لا يعرفون عنها شيئا ستوضع على مكاتبهم ليبحثوها و يجدوا لها حلولا و غالبا ستكون تلك الحلول من قبيل "مش لاقيين عيش ياكلوا جاتو".

إحدى أكبر المشكلات التي ستنتج عن تلك المجتمعات هي الستريوتايبينج أو النمذجة ، حيث يصبح سكان الكومباوند الواحد تنويعات على نموذج واحد فهم يتعاطون نفس نوع التعليم ، يمارسون نفس الأنشطة الرياضية في نفس النوادي ، يذهبون لنفس الحدائق و نفس الهايبرماركتس، في اعتقادي هذا الأسلوب المنغلق من الحياة خلف أسوار الكومباوند سيخلق مجتمعا متشابها فيما بينه و لكنه غريب عن المجتمعات المجاورة له بعيدا عنها من حيث التكوين النفسي و الاجتماعي.

لا زالت الرأسمالية ترسم لنا طرق العيش التي تستفيد منها بشكل أكبر دون النظر للأثر الاجتماعي المتولد عن التغييرات العميقة التي تصنعها في نمط الحياة و أنماط الاستهلاك المستحدثة و في الإنسان الذي يتطور ليتلاءم مع الحياة الجديدة التي تُعلي قيمة المادة على قيمة الإنسان و تبيعه وهم التميز بأغلى الأثمان.

هناك تعليقان (2):

  1. هذه هي طريقة الحياة كما يجب ان تكون ، حتى بمعطيات بسيطة
    ليس ذنبهم انهم استطاعوا شراء وطن ، طالما ان هذا وطن مسخ
    من الضروري اعادة تقسيم المدن او احلال مدن جديدة محلها ليس ادمي ان نعيش في قبور منزلية دون ان نتواصل مع الطبيعة فقط ارضا صغيرة وحديقة بسيطة لاداعي للبذخ وهذا مايحصلون عليه هؤلاء في الكومبوند الحد الادنى الطبيعي لاي فرد بافقر احياء بامريكا او حتى بالبرازيل

    ردحذف
    الردود
    1. ليست الإشكالية التي أطرح هي البيوت الآدمية و التي أراها حقا لنا جميعا ، الإشكالية التي أطرح هي العزلة و التي ستُنْتِج مع الوقت مجتمعات صغيرة منفصلة تماما ، أتمنى أن أكون جنحت بخيالي لأبعد مما يمكن أن يتحقق على أرض الواقع الذي قد لا نراه نحن ، ربما يراه الجيل الثاني أو الثالث من أجيال الكومباوندز

      حذف